عندما كنت طفلا, كنت اسمع عبارة تتكرر على مسامعي في كل مرة يكون فيها موضوع فلسطين محور الحديث, يقول قائلها – وهو مختلف في كل مرة – : ” مو الفلسطينين باعوا ارضهم لليهود , يعني هما قبضوا الثمن واحنا ندفعه ؟! “
كنت دائما اعود لاسأل والدتي عن هذه المعلومة , فتقول لي: ياابني مافي احد يبيع ارضه للحرامية,
ولكن مؤخراً , اكتشفت ان ارض فلسطين , لم تنتقل بعقد بيع وشراء , وان الفلسطينين لم يبيعوا ارضهم , بل اشتروا تحريرها بدماءٍ غزيرة , لكن الله لم يرد , والعرب تخاذلوا – كعادتهم إلى اليوم – عن نصرة اخوانهم النصرة الحقة التي تحقق تحريرا للارض من سيطرة الصهاينة الغاصبين وتعيد الحقوق والكرامة المهدرة, ولكن الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
اذا عدنا بالتاريخ , إلى اواخر عهد الدولة العلية العثمانية , تحديدا في الايام الاخيرة من عهد السلطان عبد الحميد الثاني (ابعد عن العرش عام 1909) سنجد ان اليهود لم يتمكنوا من شراء اي ارض في فلسطين , لوجود فرمان يقضي بمنعهم من شراء الاراضي , وكانت المستوطنات تسجل كأوقاف خيرية , بعد عزل السلطان عبد الحميد , وتولي جمعية الاتحاد والترقي الحكم (1909-1918). استطاع اليهود عن طريق الرشاوى والتحايل من شراء مايقارب 2% من ارض فلسطين , وبلغت نسبة وجودهم في فلسطين 8% من تعداد السكان.
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى , قامت بريطانيا وفرنسا بتقاسم الاراضي التابعة لحكم آل عثمان, فكان نصيب فلسطين ,احتلال ارضها على يد بريطانيا (1917) ثم قيام الانتداب البريطاني (1920) , والذي مهد لقيام الكيان الصهيوني , فبلغ ماأعطاه البريطانيون لليهود من الارض – علاوة على السلاح والذخيرة والدعم – مانسبته 1.2% من ارض فلسطين, وبهذا التواطئ من سلطات الانتداب بلغ مجموع ماملكه اليهود من ارض فلسطين 3.2%
واستطاع اليهود شراء اراضٍ من نصارى لبنانين وسوريين كانوا يقطنون فلسطين , وآثروا العودة إلى ديارهم في ظل الاوضاع الغير مستقرة , وبلغ مااشتراه اليهود من النصارى 1.5% ,
5.7% كان هذا مجموع ماامتلكه اليهود في عام قيام كيانهم الغاصب (1948), وبحسابات يسيرة, نجد ان ماباعه ألفلسطينيون من أرضهم لا يتجاوز الـ 1%. هذا بالرغم من ان نسبة اليهود في تلك الفترة , بسبب الهجرة الغير شرعية , بلغت 32% من عدد السكان , وبالاضافة لنسبة وجودهم كانوا يملكون الاموال التي يسيل لها اللعاب, لكن كل ذلك لم يغري أهل فلسطين في ان يبيعوا ارضها الطاهرة للصهاينة, وبعد قيام دولتهم في عام 1948 كما نعرف احتلوا عسكرياً اكثر من 78% من أرض فلسطين التاريخية,
وحتى مع صغر المساحة التي بيعت من الفلسطينين إلى اليهود, إلا ان الشعب الفلسطيني لم يرضى عن ذلك, وصدرت عدة فتاوى تحرم هذه البيع وتعتبره خيانة عظمى للأسلام, بل أن اغلب السماسرة قتلوا, إلا من استطاع منهم الهرب.
لمصلحة من انتشرت الاشاعة ؟
هناك عدة اطراف استفادت من ترسيخ هذه المعلومة المغلوطة عن فلسطين, على رأسهم في نظري, الصهاينة انفسهم. فهذه الصفقة المزعومة تضفي شرعية على وجود الكيان الغاصب, الذي لم يتوانى في استخدام كل الوسائل لتبرير وجوده أمام سكانه اولا, ثم امام الرأي العام الدولي, ايضا كان لهذه المعلومة دور في رفع الحرج عن الحكومات العربية المختلفة التي لم تقم بدورها الاسلامي, والانساني, والقومي, تجاه قضية فلسطين.
* جدول تلخيصي
المصادر:
– د.راغب السريجاني – خط الزمن
– د.عبدالوهاب المسيري – الصهيونية والعنف
– الحاج أمين الحسيني – كذبة بيع الفلسطينيين لأرضهم
– سلمان أبو ستة